أخـبار

واقع الإعلام العربي
لقد عملت وسائل إعلامنا العربي (والإسلامي أيضاً) –طيلة الفترة السابقة- على تكريس الوجود السياسي والاجتماعي للأنظمة المغلقة والبائدة بأساليب وطرق ملتوية كثيرة، كان من أبرزها صبغ الإعلام بصبغتها السياسية الخاصة، ومنع الآخر من استخدام منابر وسائل الإعلام المختلفة الموجودة للتعبير عن آرائها واعتقاداتها، وحريتها في ممارسة النقد والتوجيه والترشيد، وإظهار الأخطاء، ومواجهة عناصر ومواقع الخلل والاهتراء الواسعة الموجودة في داخل بنى وهياكل الأمة.
لقد أصبح للإعلام دور أساسي في نهوض الأمم وتقدم الشعوب نحو تحقيق أهدافها في التحرر والبناء والتطوير في مختلف مواقع الحياة والمجتمع. ووصل الأمر بالإعلام الحديث إلى مستوى دقيق وخطير بحيث أصبح الفاعل والمؤثر الأقوى في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية على وجه العموم، ويظهر ذلك من خلال التأثير الحاسم للمادة الإعلامية المعاصرة على حياة الإنسان، ومجريات واقعه الاجتماعي والثقافي في سياق شبكة الإنتاج الصناعي والسياسي والثقافي الراهن.
ويبدو لنا أن المستفيد الأكبر من هذا التوسع الإعلامي الحديث هو الإعلام السياسي الرسمي والخاص الذي يعمل على ترسيخ مقولات وأفكار، وانتهاج أساليب عمل سياسية وفكرية معينة تخص هذا الطرف أو ذاك بما يؤدي إلى رفع شأن هذا الموقع أو النظام السياسي، أو إسقاط ذاك النظام من وعي الجماهير من خلال قوة التأثير الدعائي المضاد، وزيادة كمية الضخ الإعلامي المبهر.
وإذا كان للإعلام السياسي-في الأنظمة الديمقراطية التعددية- الدور الأكبر في دعم مسيرة حقوق الإنسان وخدمة قيم التعددية، وحرية التفكير والاجتماع والنقد، وإظهار التنمية السياسية والاجتماعية الحقيقية، وتكريس معاني الوعي والمسؤولية، والحوار، والانفتاح، والاعتراف بالآخر، فإن الدور الذي يؤديه الإعلام السياسي –في بيئتنا السياسية والفكرية العربية والإسلامية– يرتبط ارتباطاً مباشراً بالنظم السياسية التقليدية المهيمنة فقط، في دعوة الناس قسرياً إلى فكرها الجامد، وعقائدها الوهمية ، وسياساتها المتخبطة، وشعاراتها الرنانة الزائفة، سواء تم ذلك عن طريق صناعة أواختلاق الأحداث بما يتناسب مع الرغبة الجامحة لدى هذه النظم في المحافظة على مواقع نفوذها وتسلطها على البلاد والعباد، أو عن طريق تحوير الحقائق التاريخية والثقافية، أو اختلاق أحداث وأفكار جديدة للضغط على الوعي العام، وتضليله إعلامياً بما يخدم التوجهات المعلنة والمخفية الخاصة بهذا الطرف أو ذاك.
إن كل ذلك يقودنا إلى حقيقة مأساوية وهي أن إعلامنا العربي (الرسمي والخاص) يعيش مأزقاً خطيراً باعتباره إعلاماً مليئاً بالضوابط، والقيود السياسية، والخطوط الحمراء والسوداء، والدوافع الخاصة التي تراعي توازنات سياسية وحكومية رسمية وتقليدية اجتماعية تجعل أي نقاش سياسي أو فكري أو اجتماعي –خارج الدائرة الضيقة لهذا الإعلام التضليلي– نوعاً من المروق على القانون أو العُرف "المقدس؟‍!"، لذلك فالمطلوب –على خلفية هذا التصور- هو حجب أي كلام أو جدال خارج المألوف والعرف الخاص بنظام المجتمع والأمة ككل حتى لو كان يهدف إلى تصحيح مسار خاطئ، أو توجيه موقع منحرف، أو تغيير توازنات معينة مخلة بالنظام العام.
من هنا تأتي هذه المساهمة الفكرية لتعمل على إبراز حقيقة الوضع العام للإعلام العربي المعاصر الذي تسيطر عليه نخبة سياسية فاشلة ومريضة، وغير مؤهلة -علمياً وسياسياً- لممارسة الدور الإعلامي الحقيقي المنوط بها.. وقد كشفت الأحداث السياسية والعسكرية الأخيرة التي انطلقت مفاعيلها وتأثيراتها في نقل الأحداث الجاريه في تونس ومصر وكل الدول العربية صحة ذلك، وأثبتت أن الإعلام العربي ليس جديراً بحمل مسؤولية إحداث تغيير جوهري في داخل البنية المعرفية والاجتماعية العربية والإسلامية، لأنه إعلام يقوم على الكذب الصارخ والتضليل السافر، وتجييش المشاعر المتدفقة والعواطف الملتهبة، ويمارس سياسية استغباء المشاهدين، وحصر اهتماماتهم بقضايا وشؤون أبعد ما تكون عن الحكمة والمنطق والعقل، وبناء أسس التفكير السليم القادر على بناء مستقبل مشرق زاهر.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تكنولوجيا